الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومنه: إِمْلاَكُ العَرُوسِ؛ لأنّه عَقْد، ورَبْط، للِّنِكاحِ.وقرئ: {مَالِك} بالألَفِ.قال الأَخْفَش- رحمه الله تعالى- يُقال: مَلِك بَيَّنُ المُلْكِ- بضم الميم، و{مَالِك} من المَلِكِ بفتح الميم وكسرها.ورُويَ ضمُّها- أيضًا- بهذا المعنى. وروي عن العربِ: لِي في هَذَا الوَادي مَلْك ومُلْك ومِلْك مُثَلَّثُ الفاء، ولكن المعروفَ الفرقُ بَيْنَ الأَلْفَاظِ الثَّلاثَةِ:فالمفْتُوح: الشَّدُّ والرَّبْطُ.والمضْمُومُ: هو القَهْرُ والتسلُّطَ على من يتأتّى منه الطَاعَةُ، ويكون باسْتِحْقَاقٍ وغَيْرِه، والمقصور: هو التَّسَلُّطَ عَلَى مَنْ يتأتّى منه الطاعة ومَنْ لا يتأتى منه، ولا يكونُ إلاَّ باستحقاقٍ؛ فيكونُ بَيْنَ المقصورِ والمضمُومِ عموم وخُصوص من وجه.وقال الرَّاغِبُ: المِلْكُ أي بالكَسْرِ كالجِنْسُ للملك، أي بالضَّم فكُلُّ مِلْكٍ بالكسر ملك، وليس كُلُّ ملكٍ مِلْكًا، فعلى هذا يكُونُ بينما عُمُوم وخُصُوص مُطْلَق، وبهذا يُعْرَفُ الفرقُ بين ملك ومالك، فَإِنَّ ملكًا مأْخُوذَة مِنَ المُلْكِ بالضمِ ومالِكا مأخوذ من المِلك بالكَسْرِ وقيل: إنَّ الفرقَ بينهما: أنَّ المَلِكَ: اسْمُ كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ السياسة، إِمَّا في نَفْسِه، بِالتمكُّنِ مِنْ زمام قواه وصرفها عَنْ هَوَاهَا، وإِمَّا في نَفْسِهِ وفي غَيْرِهِ، سَوَاء تولى ذلك أَوْ لَمْ يتولّ.وقد رَجَّحَ كُلُّ فَرِيقٍ إِحْدَى القِرَائَتَيْنِ على الأُخْرَى تَرْجِيحًا يكادُ يسقط القِرَاءَاتِ الأُخْرَى، وهذا غَيْرُ مَرْضيٍّ؛ لأنَّ كِلْتَيْهِما مُتَوَاتِرة، ويدلُّ على ذلك ما رُوِيَ عن ثَعْلَب- رحمه الله تعالى- أنه قال: إِذَا اخْتَلَفَ الإِعْرَابُ في القرآن عن السَّبعةِ، لم أُفَضِّلُ إِعْرَابًا على إعراب في القرآنِ، فإذا خرجتُ إلى كلامِ الناسِ، فصَّلْتُ الأَقْوَى.نقله أَبُو عَمْرو الزّاهد في اليَوَاقيت.قال أَبُو شَامَة- رحمه الله:- قَدْ أَكْثَر المُصَنِّفُونَ في القراءَات والتفاسِيرِ مِنَ التّرْجِيحِ بَيْنَ هَاتَيْنِ القِرَاءَتَيْنِ، حتى أن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، ولَيْسَ هذا بِمَحْمُودٍ بعد ثُبُوتِ القِرَاءَتَيْنِ، وصحَّةِ اتصافِ الربِّ- سبحانه وتعالى- بهما حتى إني أُصَلِّي بهذه في رَكْعَةٍ، وبهذه في رَكْعةٍ، ذكر ذلك عند قوله تعالى: {مَالِك يَوْمِ الدِّين}. وَرَوى الحُسَيْنُ بنُ عَليٍّ الجعفي، وعبدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ، عَنْ اَبِي عَمْروٍ: {مَلْكِ} بِجَزْمِ اللاَّمِ على النَّعْتِ أيضًا.وقرأ الأَعْمَشُ، ومحمدُ بنُ السّمفيع، واَبُو عَبْد الملك قاضي الجُنْد: {مَالِكَ} بنصب الكاف على النِّداءِ. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته: يا {مالك يوم الدين}، وقرئ بنصبِ الكَافِ من غير ألف النداء أيضًا، وهي قراءةُ عَطِيَّةَ بن قَيْس، وقرأ عَوْن العُقَيْلِيُّ بالأَلَف وَرَفْعِ الكَاف، على مَعْنَى: هُوَ مَالِك.وقرأَ يَحْيَى بنُ يَعْمُر {مالك} بالإمالة والإضجاع البليغ.وقرأ أيُّوبُ السَّخْتيَانِيّ: بَيْنَ الإمَالةِ والتّفْخِيم، ورواها قُتَيْبَةُ عنِ الكِسَائي.وقرأ الحَسَنُ {مَلَك يَوْمَ الدِّين} على الفِعْلِ، وهو اختيارُ أبِي حَنِيفَة- رضي الله تعالى عنه- ورُويتْ أيضًا عَنْ أَبِي حَيْوَة، ويَحيَى بن يعمر فمما رجحت به قراءة {مَالِكِ} أَنَّها أمْدَحُ؛ لعُمُوم إضافَتِه، إذ يُقالُ: مَالِكُ الجِنِّ، والإِنْسِ، والطَّيْرِ ولا يُقالُ: مَلِك الطّيْرِ، وأنشدوا على ذلك: الكامل: وقالُوا: فُلاَنُ مَالِك كَذَا، لِمَنْ يَمْلِكُه، بخلافِ مَلِك فَإِنَّهُ يُضَافُ إلى غَيرِ المُلُوكِ نحو: مَلِكِ العَرَب، والعَجَمِ، ولأَنَّ الزيادةَ في البناءِ تَدُّلُّ على الزيادةِ في المعنى، كما تقدم في الرحمن ولأنَّ ثواب تالِيها أَكثرُ من ثوابِ تَالِي مَلِك.ومما رُجِّحَتْ به قراءَةُ {مَلِكِ} ما حكاه الفَارسيّ، عن ابن السّرَّاجِ، عَنْ بَعْضِهِم: أنه وصف [نَفْسَه] بِأنه مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، بقوله: {رَبِّ العَالَمينَ} فَلا فَائِدَةَ في قراءَةِ مَنْ قَرَأَ {مَالِكِ} لأنها تَكْرَار. قال أَبُو عَليٍّ: ولا حُجَّةَ فِيه؛ لأنَّ في التَّنْزِيلِ مِثْلهُ كَثِير، يَذْكُرُ العَامَُّ، ثُمَّ الخَاصُّ؛ نحو: {هُوَ الله الخالق البارئ المصور} [الحشر: 24].وقال حَاتم: {مَالِكِ} أَبْلَغُ في مَدْحِ الخَالِقِ، و{مَلِكِ} أَبْلَغ في مَدْحِ المَخْلُوقِ، والفرق بَيْنَهُمَا: أن المَالِكَ مِنَ المخلوقين قد يَكُونُ غيرَ مَلِكٍ، وإذا كَانَ اللهُ تعالى مَلِكًا كان مالكًا [أيضًا] واختاره ابنُ العَرَبيِّ.ومِنْهَا: أَنَّها أَعَمُّ إذ تُضَافُ للملوكِ وغَيْرِ المَمْلوكِ، بخلاف مَالِكِ فإنه لا يُضَاف إلاَّ لِلْمملوكِ كما تقدم، ولإشْعَارِه بالكثرةِ، ولأنه تَمَدَّحَ تعالى- بقوله تعالى- {مَالِكِ المُلْكِ} وبقوله تعالى: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} [آل عمران: 26]، ومَلِكق مأخوذ منه كما تقدّم، ولم يمتدح ب {مالك المِلْك} بكسر الميم الذي {مالك} مأخوذ منه.وقال قَوْم: مَعْنَاهُمَا: واحِد؛ مثلُ: فَرِهين وفَارِهِين، وحَذِرِين وحَاذِرِين.ويُقالُ: المَلِكِ والمالِكِ: هو القَادِرُ على اختراع الأعيان من العَدَمِ إلى الوجود، ولا يَقْدِرُ عليه أحد غير الله تعالى.وجمع مَالِكِ: مُلاَّك ومُلَّك، وجَمْعُ مَلِك: أَمْلاَك ومُلُوك.وقرئ: {مَلْك} بسكون اللاّم، ومنه قول الشاعر: الوافر: كما يُقالُ: فَخِذ وفَخْذ، وجَمْعُه على هذا: أَمْلُك ومُلُوك، قاله مَكِّيّ رحمه الله.و مَلِيك، ومنه: الكامل: و مَلَكي بالإشْبَاعِ، وتُرْوَى عن نَافِع- رحمه الله-.إذا عُرِفَ هذا فيكونُ {مَلِك} نعتًا لله تعالى ظاهرًا، فإنه معرفة بالإضافة.وأما {مَالِك} فإِنْ أُرِيدَ به مَعْنَى المُضّيِ، فجعلُه نَعْتًا واضِح أيضًا؛ لأن إضافَتَه مَحْضَة فيتعرَّفُ بها، ويُؤيّد كونَهُ ماضِيَ المَعْنَى قِراءةُ من قرأ: {مضلَكَ يَوْمَ الدِّينِ} فجعل {مَلَكَ} فِعْلًا مَاضِيًا، وإن أُرِيد به الحالُ، أو الاستقبالُ [فَيُشَكِلُ؛ لأنه: إِمَّا أنْ يُجْعَلَ نعتًا لله، ولا يجوزُ؛ لأنَّ إضافَةَ اسمِ الفاعلِ بمعنى الحالِ، أو الاستقبال] غَيْرُ محضةٍ، فلا يُعْرَف، وإذا لم يتعرَّفْ، فلا يكون نعتًا لمعرفةٍ؛ لما عرفت فيه تقدم من اشتراط الموافقة تَعْرِيفًا وتنكيرًا.وإِمَّا أنْ يُجْعَلَ بَدَلًا، وهو ضَعيف، لأن البدل بالمشتقاتِ نادِر كما تقدم.والذي يَنْبَغِي أنْ يُقالَ: إنه نعت على مَعْنَى أنَّ تَقْييدَهُ بالزمانِ غَيْرُ مُعْتَبِرٍ؛ لأَنَّ الموصوفَ إِذَا عُرِّفَ بِوَصْفٍ كان تقييدُه بزمانٍ غير معتبرٍ، فكان المعنى- والله أعلم- أنه متَّصِف ب {مالك يوم الدين} مطلقًا من غير نظر إِلَى مُضِيٍّ وَلاَ حَالٍ، ولاَ اسْتِقْبالٍ، وهذا مَالَ إلَيهِ الزمخشريُّ رحمة الله تعالى.وإضافَةُ {مَالِكِ} و{مَلِكِ} إلى {يَوْمِ الدِّينِ} مِنْ بَابِ الاتِّساعِ؛ إذْ متعلّقهما غيرُ اليومِ، والتقديرُ: مَالِكِ الأَمْرِ كُلِّهِ يَوْم الدِّينِ.ونظيرُ إِضَافَةِ مَالِكٍ إلى الظَّرْفِ- هُنَا- نَظِيرُ إِضَافَةِ طَبَّاخٍ إلى ساعات في قول الشاعر: الرجز: إِلاَّ أَنَّ المَفْعُولَ في البيت مَذْكُور- وهو زادَ الكَسِلْ، وف الآية الكريمةِ غيرُ مذكورٍ؛ للدلاَلةِ علَيه.ويجوزُ أَنْ يكونَ الكَلاَمُ على ظاهِرِه من غيرَ تَقْدِيرِ حَذْفٍ.ونسْبَةُ المِلك والمُلْك إلى الزمان في حَقِّ اللهِ تعالى غَيْرُ مُشْكِلِةٍ، ويُؤيِّدُه ظاهرُ قِرِاءَةِ مَنْ قَرأ: {مَلَكَ يَوْمَ الدّين} فِعْلًا ماضيًا، فإن ظاهِرَهَا كونُ {يَوْمَ} مَفْعُولًا به والإضافةُ على مَعْنَى اللامِ، لأنَّها الأصل.ومِنْهم مضنْ جَعلها في هذا النحو على معنى في مُسْتَنِدًا إلَى ظاهِرِ قَولِهِ تبارك وتعالى: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33] قال: المعنى مَكْر في اللَّيْلِ إذ اللَّيلُ لاَ يُوصَفُ بالمكرِ، إنما يُوصَفُ بِه العُقَلاَءُ، فالمَكْرُ واقِع فيه.
|